الزهيريات الوطنية.. فن عريق خلد بكل فخر وعزة تاريخ وبطولات أهل الكويت
(تقرير.اخباري)
الكويت – 21 – 2 (كونا) -— الزهيريات فن شعري عامي قديم وجميل يحمل في طياته عبق الماضي الاصيل وله جذور تاريخية عريقة تسكن تفاصيل الأنغام والألحان البحرية التي كان (النهام) يطلقها من على سطح السفينة تحت ظلال الأشرعة التي تتقاذفها الامواج وتلاحقها نظرات البحارة وهم ينصتون إلى صوته الشجي متحديا هدير البحر الصاخب مرددا مواويله بألحان عذبة تحرك شجونهم وتهز مشاعرهم.
وتعد الزهيريات الوطنية بمثابة تاريخ عريق وفن تسكن في تفاصيله الكلمات الخالدة لتوثق مسيرة كفاح بلد مختزلة ببيوت شعرية متجانسة قصيرة ومركزة تحمل في طياتها المعاني التي تخلد بكل فخر وعزة تاريخ اهل الكويت.
وفي هذا الصدد قال رئيس فرقة بن حسين الملحن محمد بن حسين لوكالة الانباء الكويتية (كونا) اليوم الثلاثاء ان كلمات الزهيرية الوطنية (الكويت دار الصباح) نظمها الشاعر الراحل حمد بن فهد بن حسين القروي قبل ظهور النفط: “الكويت دار الصباح من الولي مكتوب / من دور آدم وهي لشيوخنا مكتوب / كل القوانين ماشافت لها مكتوب / هبيل ياللي تبي الكويت وتطالب / غادى ضحى ياهبيل الراي وتطالب / هذي عليها محمد النبي طالب / في حكم شيخ تكلم بالعرش مكتوب”.
وذكر ان هناك ايضا زهيرية نظمها الشاعر ابراهيم بن محمد بن فهد بن حسين بعد استقلال الكويت عندما انضمت دولة الكويت في 14 مايو عام 1963 الى الامم المتحدة لتصبح العضو ال111 في المنظمة الدولية ويعد يوما عظيما في تاريخ الكويت وتقول الزهيرية: “دار الصباح محد لها اشراك / دار الكرم والمعزة والسعد اشراك / محفوظة باسم الاعظم والامان اشراك / في مجلس الامن اسمك بتشريفه ظهر / حرة صفيتي الاستقلال الاتحادي ظهر / فوزي بعزك وحنا لك جنود وظهر / نجمك تعالى مع نجم الثريا اشراك”.
وقال بن حسين ان أغاني (النهمة) تعد من أهم أنواع الغناء الشعبي البحري المعروفة منذ القدم في الكويت فهي ذاكرة للحكايات الطويلة والمؤلمة وكان الشعراء يتنالون حياة البحارة في قصائدهم لينشدها بعد ذلك (النهام) في الرحلات البحرية وهو مايعرف بفن (الزهيريات).
واكد ان فن الزهيريات كان قائما على الكلمة الجيدة واللحن المناسب والصوت المؤدي والمهم اداء ولغة الجسد وهنا تكمن عبقرية الأداء ومن خلال هذه اللغة يتحقق الشرح والتفسير لضروب الجناس ومعانيه التي يقوم عليها (الموال/الكلمة).
وتابع ان الموال الزهيري فن تعبيري صادق يعبر عن المعاناة وشكوى الحال وقسوة العيش وصعوبة الحياة مضيفا ويعد شكلا من أغاني العمل في المجتمع البحري حين كان النهام أو المنشد الشعبي البحري يؤدي الزهيري أداء محددا بألحان (الباهي والغريري والراكد) يشاركه البحارة أثناء قيامهم بأعمال التجديف ونغمة هذه الأنواع تسمى (اليامال).
وذكر ان الزهيري كان يؤدى أيضا خلال استراحة البحارة على ألحان (المخالف والحدادي والفجري والعدساني) وبمصاحبة آلات الإيقاع اليومية لاكمال الاداء اللحني كالهاون والطبل والطار واليحلة وهي عبارة عن وعاء فخاري له ايقاع غليظ.
من جانبه قال المطرب والملحن والشاعر سليمان الموسى ل(كونا) ان فن الزهيري الموال يبقى فنا من فنون الارتجال “وهنا تكمن قمة الإبهار في الأداء الجمالي والفكري” مضيفا ان لغة الجسد في أداء الموال عنصر حيوي من عناصر الأداء الذي يساهم في التعبير عن المعنى وتجسيد المجاز والإفصاح عنه.
وذكر الموسى ان براعة الشاعر الشعبي في الكويت تتجلى بصفة خاصة في القدرة على “تزهير” قوافي مواله أي تجنيسها تجنيسا حقيقيا فتعطي معنى جديدا مغايرا في كل مرة.
وبين ان أغاني (النهمة) تعد من أهم أنواع الغناء الشعبي البحري المعروفة منذ القدم في الكويت فهي ذاكرة للحكايات الطويلة والمؤلمة وكان الشعراء يتناولون حياة البحارة في قصائدهم لينشدها بعد ذلك “النهام” في الرحلات البحرية لحث البحارة على العمل الشاق.
وأفاد ان الزهيريات انتشرت بداية في جنوب العراق مثل البصرة والزبير وانتقلت الى الكويت والبحرين ودول الخليج وبدات ب12 شطرا ثم تقلصت الى 7 بحيث تكون الأشطر الثلاثة الأولى لها نفس القافية بينما الأشطر الثلاثة الثانية لها قافية مغايرة وينتهي الشطر السابع بنفس القافية الأولى.
وذكر ان الكويت الاكثر تأثرا بفن الزهيريات وطورته وجعلت منه قسمين (ابيض واحمر) الاول يسمى ب(الزهير الأحمر) وهو الاقوى والافضل من حيث قوة الكلمة والتي تكون هي قافية القصيد بمعنى أن تكون كلمة القافية واحدة ولكنها تحمل في كل بيت معنى آخر (جناس).
واضاف أما النوع الثاني ويسمى (الزهير الابيض) فهو اخف بلاغيا من (الاحمر) لان كلمة القافية تتكرر بنفس المعنى وحتى وان كان البيت السابع جناس.
واوضح أنه من أبرز شعراء فن الزهيريات عبدالله الدويش وفهد بورسلي وعبدالله الفرج وعبدالرحمن الضويحي وعيسى القطامي وفهد الخشرم وحمود الناصر البدر وحمد راشد العسعوس وأحمد الرشود ومحمد الفوزان وعبداللطيف الديين.
وأكد ان الموال الزهيري يظل تعبيرا فنيا صادقا عن ضروب المعاناة وشكوى الحال وقسوة العيش وصعوبة الحياة والغدر ومن جهه اخرى مقابلة يجسد الاعتزاز بالنفس ويحث على الصبر ويبث الأمل ويتغنى بالحب والكثير من القيم والمعاني الإنسانية والأحاسيس والعواطف النبيلة الوطنية.
واضاف ان من الزهيريات الوطنية المشهورة تلك التي عبر عنها الشاعر عبدالله الدويش الذي يعد من اشهر اعلام فن الزهيريات بعنوان (يا شيخنا حنا لك مغاويرا) يقول في مطلعها: يا جابر المكسور عينك على الدار / وأفعالك الحسنات كلها حميدة / يا ميمر يا طي على كل الاقطار / جددت عهد سالف من جديده.
وأوضح ان الدويش نظم هذه القصيدة بعد تعرض موكب الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد الصباح لمحاولة اعتداء في عام 1985 كما كتب قصائد وطنية اخرى ابرزها قصيدة عن الاسرى في عام 1991 يقول في مطلعها: يا الله يا فكاك قيد الاسرى / تفك اسرانا بجاه النبي / وترد مفقود على اهله مجارى / وتعز قوم في بلدهم مقيمين.
بدوره قال المستشار الموسيقي الدكتور صالح الحربي ل(كونا) ان الزهيري من فنون الشعر الشعبي ويعتمد على التلاعب اللفظي والجناس في كلماته مشيرا الى ان الزهيريات مازال لها روادها من المبدعين من الشعراء الشعبيين في معالجة بعض القضايا والمشكلات المعاصرة وعلى رأسها الواقع السياسي والاجتماعي وما طرأ عليه من تغيرات جذرية في حياة المجتمع.
واضاف الحربي ان الزهيري هو تقليد جميل لاصوات البحر واصبح احد اركان الاغنية البحرية والذي بدوره يتلون حسب المكان الذي تؤدى فيه الاغنية فنجد مثلا (النحبة) وهي الهمهمة التي تشبه النحيب.
وذكر ان النحبة كانت تصاحب غناء البحارة اثناء العمل وتكون الصوت المعبر عن قسوة العمل وظروفه الصعبة كما في غناء الشراع اي (الخطفة) وتعني انزال الشراع او في رفع المرساة ايضا بينما تستعمل ايضا الهمهمة في اشكال متعددة بأغاني الترويح عن النفس سواء على اليابسة او على سطح السفينة.
واوضح ان هناك شكلا آخر من النحبة ويستخدمها في اغان محددة تساعده على الاداء الغنائي وعلى التعبير فقد اختلط هذا الشكل الغنائي الجميل واستخدمه في اعماله البسيطة واسماه (الجندة) وهي نوع من انواع النحبة يقتصر اداؤها على جمل وهمهمات قصيرة وتستخدم اثناء اداء الاعمال البسيطة والسريعة مثل شد الحبال على ظهر السفينة.
ولفت الى مقاطع جميلة قصيرة تستخدم في (الجندة) حسب اداء العمل وكثيرا ما يغلب عليها طابع السرعة وذلك حسب اداء العمل في استخدام كلمات غنائية قصيرة مثل (هي يامال هي والله هي يامال هي والله هي ياسيدي) التي تساعد على اداء العمل وتنفيذه بالسرعة المطلوبة.
وعن انواع الشعر الغنائي عند البحارة أوضح انها تنحصر في شكلين اساسيين هما الزهيري والمويلي فالزهيري نمط شعري واستخدم البحارة شعر الزهيري في جر المجاديف كما استخدموه في بعض الاغاني الترفيهية مثل الحدادي والفجري.
وقال ان البحارة استنبطوا انواعا كثيرة من الشعر الزهيري واستخدموها في اغانيهم وظهرت انواع كثيرة من الشعر الزهيري منها السباعي والسداسي والخماسي وأهمها السباعي ويضم سبع شطرات شعرية تكون الثلاث الاولى ذات قافية واحدة ثم الشطرات من الرابعة الى السادسة يكون لها قافية ثانية ثم تعود الشطرة السابعة بالقافية الاولى والتي تسمى القفل اي نهاية الابيات الشعرية.
واشار الى ان بعض اغاني البحر تمتاز بالغناء الجماعي ويطلق عليها (الشيلة) وهي عادة تتألف من بيتين او ثلاثة ابيات شعرية لها لازمة ثابتة وتغنى عادة اثناء العمل سواء نقل امتعة داخل السفينة او تحريك السفينة لاسيما عندما تغوص بالرمال والطين حيث ان البحارة يغنون اثناء اداء العمل لهذا النوع من الشيلات للمساعدة وبث روح التعاون. (النهاية) م ف / ط ا ب